عمر المختار، شيخ المجاهدين، أسد الصحراء كل هذه أسماء تُطلق على المناضل الليبي عمر المختار
هو السيّد عُمر بن مُختار بن عُمر المنفي الهلالي ولد في (20 أغسطس 1858 - الموافق 10 محرم 1275هـ ) وتوفي في (16 سبتمبر 1931 - الموافق 3 جمادى الأولى 1350هـ)، الشهير بعُمر المُختار، المُلقب بشيخ الشهداء، وشيخ المُجاهدين، وأسد الصحراء.
عمر المختار |
ثار ضد الغزو الإيطالي لبلاده وقاد مئات المعارك ضد الغزو الإيطالي فى الفترة من 1911 إلى 1931 فلقبه الليبيون بشيخ المجاهدين
مولده ونشأته
وكان قد وُلد عمر المختار في البطنان ببرقة في الجبل الأخضر بليبيا وولد فى عام 1858 وقيل عام 1862 وعني أبوه بتربيته تربيةً إسلاميَّة حميدة مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية القائمة على القرآن والسنَّة النبويَّة.
توفي والده وهو فى طريقه لمكة المكرمة لآداء مناسك الحج فى مكة فتولى رفيقه الشيخ أحمد الغرياني رعايته بناء على وصية والده للشيخ فعهد وهو في حالة المرض إلى الشيخ بأن يُبلّغ شقيقه بأنَّه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد.
ولم يُعايش عمر المختار والده طويلًا، إذ حدث أن توفي والده وهو في طريقه إلى مدينة مكَّة لأداء فريضة الحج.
ثم درس العلوم الشرعية وتميز بشخصية قيادية فذة واشتهر بالجدية والحزم والاستقامة والصبر، ولفتت شمائله أنظار أساتذته وزملائه وهو لم يزل يافعًا، وكان الأساتذة يبلغون الإمام محمد المهدي أخبار الطلبة وأخلاق كل واحد منهم، فأكبر الأخير في عمر المختار صفاته وما يتحلى به من أخلاق عالية.
أسد الصحراء عمر المختار |
ومع مرور الزمن وبعد أن بلغ عمر المختار أشدَّه، اكتسب من العلوم الدينية الشيء الكثير ومن العلوم الدنيويَّة ما تيسَّر له، فأصبح على إلمام واسع بشؤون البيئة التي تحيط به وعلى جانب كبير في الإدراك بأحوال الوسط الذي يعيش فيه وعلى معرفة واسعة بالأحداث القبلية وتاريخ وقائعها،
وتوسَّع في معرفة الأنساب والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها، وتعلَّم من بيئته التي نشأ فيها وسائل فض الخصومات البدوية وما يتطلبه الموقف من آراء ونظريات، كما أنه أصبح خبيرًا بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب والكفرة من الداخل، وكان يعرف أنواع النباتات وخصائصها على مختلف أنواعها في برقة،
وكان على دراية بالأدواء التي تصيب الماشية ببرقة ومعرفة بطرق علاجها نتيجة للتجارب المتوارثة عند البدو وهي اختبارات مكتسبة عن طريق التجربة الطويلة.
كفاحه ضد الإحتلال
وتولى المختار قيادة المجلس الأعلى للعمليات وعقب إعلان إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية وكانت ليبيا حينها جزءًا منها فقاد أكبر المعارك واستمر فى القتال حتى بعد انسحاب الأتراك من ليبيا بموجب معاهدة لوزان والتى أُخليت بموجبها ليبيا لصالح إيطاليا إلى أن حاصره الإيطاليون عام 1926 لكنه فى عام 1929 استطاع أن يجبرهم على مفاوضته ثم عاد إلى مواجهتهم بعد فشل المفاوضات ليقع أسيرا خلال إحدى المعارك،
عمر المختار في إحدى المعارك |
محاكمة عمر المختار
وفي يوم 15 سبتمبر 1931 جرت محاكمة عمر المختار، وكانت محاكمة صورية شكلًا وموضوعًا، إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار، ويبدو ذلك واضحًا من خلال حديث غراتسياني مع المختار خلال مقابلتهما، حين قال له: "إني لأرجو أن تظل شجاعًا مهما حدث لك أو نزل بك"، فأجابه المختار: "إن شاء الله"
جيء بعمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلًا بالحديد، وحوله الحرس من كل جانب، وأُحضر أحد التراجمة الرسميين ليتولّى الترجمة للمختار وللقضاة،
عمر المختار أثناء محاكمته |
فلمَّا افتتحت الجلسة وبدأ استجواب المختار، بلغ التأثر بالترجمان، حدًا جعله لايستطيع اخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر فوقع الاختيار على أحد اليهود من بين الحاضرين في الجلسة، فقام بدور المترجم، وكان عمر المختار جريئًا صريحًا، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، وبعد استجواب المختار ومناقشته، وقف المدعي العام ، فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام.
وعندما جاء دور المحامي المكلف بالدفاع عن المختار، وكان ضابطًا إيطاليًّا شابًا من رتبة نقيب، حاول أن يُبقي على حياة المختار، فطالب بالحكم عليه بالسجن المؤبَّد نظرًا لشيخوخته وكِبر سنّه، متحججًا بأنَّ هذا عقاب أشد قساوةً من الإعدام.
لكنَّ المدعي العام، تدخل وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستندًا في طلبه هذا إلى أنَّ الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة.
عمر المختار في المحاكمة |
عندئذٍ وقف المحامي وقال: "إنَّ هذا المُتهم الذي انتدبت للدفاع عنه: إنما يُدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يُقاومه بكل ما يملك من قوَّة، حتى يُخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية... إنَّ العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إنَّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث في هذا العالم المضطرب".
وهنا كثر الضجيج ضدَّ المحامي ودفاعه، لكنه استمر بالكلام والدفاع عن المختار، فقام النائب العام ليحتج، فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة، وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت، وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار اكتفى بالقول: "إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمك المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"
إعدام عمر المختار
في صباح اليوم التالي للمحاكمة، يوم الأربعاء في 16 سبتمبر 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.
وأُحضر المُختار مُكبَّل الأيادي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلَّم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، لكنه لم ينبس بكلمه، وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يؤذن في صوت خافت آذان الصلاة عندما صعد إلى الحبل، والبعض قال أنه تمتم بالآية القرآنية:
إعدام عمر المختار |
وصدرت قبل إعدام المختار أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الحكم، ويتم تنفيذ حكم الإعدام فيه على مرأى أيضا من شيوخ القبائل الذين تمت دعوتهم من قِبل الإيطاليون
وقد كان المختار ملهمًا لقادة الثورات فى العالم من بعده وفى عام 1981 تحولت قصة حياته إلى فيلم بعنوان أسد الصحراء للمخرج السورى مصطفى العقاد وقام ببطولته النجم العالمى أنطوني كوين
أنطوني كوين في فيلم أسد الصحراء |
وقيل أنه قال جملته المشهورة:
"نحن لانستسلم ننتصر أو نموت"
قالها قبل إعدامه أسد الصحراء الشهيد عمر المختار فأصبحت شعارًا للثورات
قصة عمر المختار |